29 - 06 - 2024

رؤية خاصة | عن دمار الأوطان

رؤية خاصة | عن دمار الأوطان

(أرشيف المشهد)

  • 11-11-2015 | 18:02

لست بصدد تقييم الرجل مدحاً أو ذماً؛ فقد تولى الأولى أنصاره ومريديه وأسرفوا في ذلك حتى رفعوه لمصاف القادة التاريخيين والأبطال العظام، كما اضطلع بالثانية خصومه ومعادوه وبدورهم أسهبوا في إطلاق سهام النقد والتنكيل به وألصقوا به المسؤولية عن كل ما آلِ اليه حال بلدهم. ثم إن الرجل مضى إلى ربه وأفضى إلى حيث قدم كما يقال.

فقط أتوقف بالتفكير ومحاولة الفهم لهذه الشخصية التي اجتمعت لها كل القدرات المؤهلة للبناء وتحقيق التغيير الإيجابي لكنها للأسف - على صعيد النتائج على الأرض ولا شأن لنا بالنيات الخفية - أخفقت تمام الإخفاق.

كيف أمكن لعالم مرموق في مجال فلسفة  الرياضيات أن تخطيء حساباته وتطيش تقديراته إلى هذه الدرجة المذهلة؟

وكيف لسليل بيت السياسة والوطنية أن ينخرط طائعاً مختاراً بل مبادراً ومحركاً في أكبر مخطط رسم بداية النهاية لدولة عريقة قوية غنية متقدمة  والإلقاء بها خارج التاريخ؟

وكيف ارتضى أن يتبنى فرية امتلاك بلاده أسلحة دمار شامل ويهديها ذريعة لمن قرروا تدميرها وأعدوا العدة وانتظروا الظرف المناسب؟

وكيف للمعارض الليبرالي الذي أمضى أكثر من نصف عمره في الغرب ونال أرقى مستويات التعليم والثقافة ونهل من معين الديموقراطية الغربية التي بشر بها بني وطنه أن تكون أبرز إنجازاته بعد عودته المظفرة هي تدشين هيئة مذهبية فتصبح ترساً في آلة ترسيخ التفتيت المذهبي المقيت التي ساهمت في المصير الذي انتهى إليه ذلك البلد الذي كان كبيراً؟

كيف لمن تثقف سياسياً وترعرع على مبادئ الحزبية كألف باء النظم السياسية الحديثة أن يكون أكبر همه هو تقويض أساس الحزب الأكبر في بلده وهدم قواعده وتشريد شعبه فكرياً دون بادرة تلوح في الأفق السياسي لبديل أو بدائل مقنعة وملبية لطموحات التغيير والحريّة؟

وكيف لمن يعي أن أهم أرصدة الدولة على الإطلاق خاصة في منطقة تموج بالصراعات والتربصات وتحبذها الأطماع

من كل جانب هو جيش قوي موحد أن يرتضي مخطط تفكيك جيش بلاده وتسريح قياداته وضباطه وجنوده وتبديد قدراته التسليحية وآلته العسكرية لتقوم على أنقاضها ميليشيات مسلحة تتوزع شيعاً وفرقاً ومذاهب بلا ولاء للوطن الواحد ولا إعلاء لقيمة الوطنية؟

يقول الأتباع والأنصار أن الرجل كان له حلم بعرض سموات بغداد وامتداد سهول الرافدين أن ينقذ بلده من سطوة الديكتاتورية التي خيمت طوال حكم الرئيس صدام حسين. وأن هذا الحلم عايشه وعاش به طوال سنوات اغترابه معارضاً في الولايات المتحدة. وأن جهاده في هذا السبيل لم يتوقف يوماً. وأن بزوغ نجمه وشيوع اسمه في ذات اللحظة التي انقضت فيها آلة العدوان للإطاحة بنظام خصمه لم يكن استعمالاً له بل تعاوناً معه على تحرير بلده من القهر والتسلط.

ويقولون أنه مثله في ذلك مثل الزعيم الفرنسي شارل ذبحوا الذي لجأ إلى ألد خصومه الإنجليز لينقذ بلاده من الاحتلال الألماني!!

يقولون الكثير عن السياسي العراقي أحمد الجلبي الذي غادر الحياة منذ أيام مخلفاً وراءه عراقاً ممزقاً فقيراً فوضوياً.

فيما انتهى ديجول بتخطيطه إلى فرنسا التي نعرفها الآن.

ولعل هذا هو الفارق الذي لا يعيه الأنصار في خضم دفاعهم عن هذا الرجل المثير للجدل والأسى.

مقالات اخرى للكاتب

رؤية خاصة| نورا على طريق الغارمات





اعلان